الجمعة، ١٥ فبراير ٢٠٠٨

حرية التطاول على الاديان

مريم العذراء تتنكر بلباس أفغاني.. بينما تحيط الهالة النورانية ليس بوجه المسيح بل بوجه أسامة بن لادن!! هذه ليست خزعبلات مسلم حاقد على الديانة المسيحية اختار الانتقام من الرسوم المسيئة للرسول صلى الله الله عليه و سلم، و إنما ببساطة هي تماثيل من إبداعات فنانين أستراليين اختاروا الدفاع عن حقهم في "حرية التعبير"!! العملان الفنيان أثارا موجة من الاستياء وصلت لحد الاستنكار من قبل رئيس الوزراء الأسترالي نفسه "جون هوارد".. استنكار لطالما أملته الشعوب الإسلامية في أزمة الرسوم المسيئة و لكنها انتظرته طويلا ..و السبب أن الرمزين اختلفا ..فالرسول صلى الله عليه و سلم هو رمز للملايين من المسلمين "المتخلفين" الذين لا يقيمون لحرية التعبير وزنا ..أما صورة المسيح فهي "انتهاك صارخ" لمشاعر المتدينين الأستراليين!
العمل الفني الأول للفنانة بريسيلا براكس، يحمل عنوان "الشرقيون الملتحون.. صناعة صليب
الإمبراطورية"، وهو عبارة عن رسم "مزدوج الرؤية" يصور كلاً من السيد المسيح وبن لادن، زعيم
تنظيم القاعدة. تنتابني بشدة حالة من "الديجافو" و هو شعور غريب بأنك رأيت هذا المشهد من
قبل ..غير أن الغرابة تنتفي من المشهد لأنه قريب جدا. المشهد هو ذاته و لكن بأسماء و صور
مختلفة!! ..فالقنبلة التي حلت محل عمامة الرسول صلى الله عليه و سلم في الرسوم المسيئة يقابلها
استبدال لحية المسيح الطويلة بلحية بن لادن !!

الفنانة البريئة لم تقصد سوى "مزج" الخير و الشر في صورة واحدة .و لكن أحد المدونات و اسمها
شيرلي اعترضت بقول: "بوسع المرء أن يقارن أسامة بن لادن بـ(الزعيم النازي أدولف) هتلر أو
(الرئيس العراقي الراحل) صدام (حسين) فقط، لكن المسيح جاء إلى الأرض ليس ليرهب، وإنما
ليخلص البشرية". إذا استبدلنا كلمة "المسيح" بكلمة "الرسول" فهي العبارة ذاتها التي استخدمها
المسلمون للدفاع عن رسولهم !! لماذا لم يستمع أحد من العالم" المتمدن الغربي" لاحتجاجات
المسلمين ؟؟ أم أننا شعوب تحكمنا عواطفنا الملتهبة التي لم يعد لها معني في عصر الحداثة و سيادة المنطق؟؟

مريم العذراء ..
أما تمثال مريم العذراء المبرقع بالزي الأزرق الأفغاني فهو للفنان لوك سوليفان، ويحمل عنوان
"السر الرابع لفاطمة"، فهو يمثل تمازجا بين رمزين شديدي التضاد في العقل الغربي..إذ كيف
لـ "رمز التخلف -البرقع الطالباني-" برأيهم أن يتطاول على مريم رمز الطهر و العفاف؟ تمثال قد
يمثل صدمة للذاكرة البصرية لدى المواطن الغربي تذكر بالصدمة التي تلقاها الفرد المسلم لدى رؤيته
للقنبلة في أزمة الرسوم المسيئة !

تماثيل مسيئة .. و دلالات
هذه الأزمة إن دلت على شيء فإنما تدل على استفحال داء لطالما عانى منه العقل الغربي و هو
"ازدواجية المعايير"..إذ انتقدت جماعات الضغط المسيحية في أستراليا اللوحة والتمثال المثيرين
للجدل لتقول جلينيس كوينلان، المتحدثة باسم اللوبي: "من المؤسف حقا أن الناس يأخذون حريات
(في التعامل) مع الدين المسيحي لا يأخذونها مع ديانات أخرى". ربما نست أو تناست السيدة كوينلان
أن الناس أخذوا حريات جمة في التعامل مع دين آخر قبل أشهر فقط و هو الدين الإسلامي..فلماذا
أنكرت الللوبيات استخدام الحرية المفرطة مع الدين المسيحي و لم تستنكره مع الدين
الإسلامي؟ ..أوليست النفس البشرية واحدة و تعلقها بالدين سواء ؟؟

كثير من كتب الأطفال الأجنبية تصور الاله -تعالى الله عن ذلك- و هو يشرب القهوة في استراحته خلال
خلق السماوات و الأرضين السبع..حجة استخدمها المفكرون أيام أزمة الرسوم في شرح مظاهر
عدم تعلق الغربيين بالدين و لكن أزمة التماثيل أثبتت أن الدين ما زال يمثل هاجسا لدى المجتمعات
الغربية الصناعية رغم انحساره الظاهر في الحياة العامة..فهل دخل العالم فعلا مرحلة صراع الثقافات
و الحضارات كما نظّر هانتنغتن في كتابه؟؟ و إذا كان الغربيون بشر يشعرون بالإهانة كما نشعر بها
نحن فلماذا يصادر حقنا "بالتعبير" عن الاستياء؟؟ أم أن التعبير عن الرفض أصبح "رفاهية" لا تحق
إلا للشعوب المتحضرة ؟؟

ليست هناك تعليقات: